وفاء سمو الأمير الوالد لمعلمه
في عام 2010، شهدت مصر مشهدا نادرا من الوفاء والإنسانية حين وصل سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى القاهرة في زيارة خاصة، لم تحمل الطابع الرسمي بل كانت بادرة إنسانية خالصة لتعزية أهل معلمه الراحل الأستاذ أحمد منصور.
هذا المشهد المؤثر كشف عن قصة حب وعرفان امتدت عقودا، وأضاءت جانبا إنسانيا عميقا في شخصية القائد القطري.
وُلد أحمد علي منصور عام 1927 في منطقة الضاهر بالقاهرة، حيث التحق بكلية الحقوق جامعة عين شمس والتي تخرج منها في عام 1954.
لكن القدر كان يحمل له رسالة أعظم من ممارسة القانون، فسافر إلى دولة قطر عام 1956 ليصبح أحد رواد التعليم في البلاد الناشئة، وهناك عمل بالتدريس وأصبح مديرا لأول مدرسة ابتدائية في دولة قطر، قبل أن يتدرج في إدارة المدارس الإعدادية والثانوية.
لم يكن منصور مجرد مربٍ تقليدي، بل كان فنانا مبدعا ترك بصمته في تاريخ دولة قطر الحديث، فهو أول من صمم العملة القطرية الوطنية، كما خط بيده أول طابع بريدي رسمي للدولة، جامعا بين البراعة الفنية والانتماء الصادق لوطنه الثاني.
هذه المساهمات جعلته ليس فقط معلما بل مؤسسا حقيقيا لرموز الهوية القطرية.
وخلال مسيرته التعليمية الحافلة، أصبح منصور المعلم الشخصي لسمو الأمير الوالد، حيث قضى معه سنوات تركت أثرا عميقا في نفس الأمير الشاب آنذاك، وتجاوزت تلك العلاقة الخاصة حدود الدرس التقليدي لتصبح صلة إنسانية راسخة، حُفرت في ذاكرة القائد مدى الحياة.
لم يكن الوفاء القطري مجرد كلمات، فقد أكرم الأمير الوالد معلمه بمكرمة أميرية شملت منحه الجنسية القطرية له ولعائلته، تقديرا لعطائه الثري وإخلاصه المتفاني، كما حملت إحدى المدارس في حي الدفنة اسمه تخليدا لذكراه وعرفانا بفضله على التعليم القطري.
وعندما وافت المنية الأستاذ أحمد يوم 25 نوفمبر 2010، لم تكن المسافة الجغرافية عائقا أمام الأمير الوالد ليحضر شخصيا لتقديم العزاء، في مشهد يجسد أسمى معاني الوفاء والتقدير.
وأكدت هذه البادرة النبيلة أن العظماء لا ينسون من علمهم وربّاهم، وأن القيم الأصيلة تبقى راسخة مهما علت المناصب.